«دارة الفنون»... هناك ضوء لا ينطفئ | حوار مع لُمى حمدان

لُمى حمدان - مديرة «دارة الفنون»

 

* وفّر  الفضاء الإلكترونيّ مساحة إضافيّة ليست بديلة عن الواقع.

* نعمل على سدّ الفراغ في حقل الكتابة النقديّة الفنّيّة. 

* ليس ثمّة تجربة فرديّة تأتي على حساب الجمعيّ في نشاطات «دارة الفنون».

* تشكّل «الدارة» بميانيها وآثارها معلمًا فنّيًّا وتاريخيًّا نسعى إلى استمراريّته والحفاظ عليه.

 

في عام 1993 افتُتِحَ مبنى «دارة الفنون - مؤسّسة خالد شومان» الرئيسيّ بمبادرة من الفنّانة سهى شومان، ليكون حجر الأساس للدارة الّتي ستصبح بعد أربعة وثلاثين عامًا من إنشائها معلمًا تاريخيًّا فنّيًّا وثقافيًّا في الأردنّ وبلاد الشام. سبق ذلك أن تولّت الفنّانة سهى شومان منذ العام 1988 إدارة نشاطات فنّيّة في مقرّ «المركز العلميّ الثقافيّ» لـ «مؤسّسة عبد الحميد شومان» في منطقة الشميساني في عمّان. نُظِّمَت خلالها معارض جماعيّة لكبار الفنّانين الأردنيّين والعرب الشباب سعيًا إلى انفتاح التجارب الفنّيّة المختلفة على بعضها، وتشجيعًا للحوار بين الأجيال الفنّيّة المتعدّدة.

تضمّ «دارة الفنون» حاليًّا ستّة مباني رئيسيّة، تتألّف من بيوت تاريخيّة ومواقع أثريّة أعيد ترميمها وتأهيلها لتشكّل مساحات مختلفة لمعارض فنّيّة، إقامات فنّيّة، ومساحات بحثيّة وأخرى تجريبيّة للفنّانين الناشئين إضافة إلى المبنى الرئيسيّ الخاصّ بالدارة.

في هذا الحوار الّذي تجريه فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة مع مديرة «دارة الفنون» لُمى حمدان، والّتي سبق لها أن عَمِلت مستشارة لـ «المنظّمة العالميّة للملكيّة الفكريّة»، ومديرة تنفيذيّة لـ «ملتقى المؤسّسات العربيّة الداعمة»، وأصبحت مديرة «دارة الفنون – مؤسّسة خالد شومان» عام 2014، نتحدّث معها عن تاريخ «الدارة»، والصعوبات الّتي واجهها حقل الفنون البصريّة العربيّ خلال جائحة كورونا، والممارسات الفنّيّة وطبيعة الدور الّذي تلعبه «الدارة» في مشهد الفنون البصريّة العربيّ ومستقبله.

 

فُسْحَة: تعدّ «دارة الفنون-مؤسّسة خالد شومان» من المؤسّسات الفنّيّة والثقافيّة الرائدة في العالم العربيّ عمومًا وفي الأردنّ خصوصًا، كيف وصلت «الدارة» إلى هذه المكانة وما هي سياقات نشأتها؟

لُمى: «دارة الفنون – مؤسّسة خالد شومان»، هي مؤسّسة فنّيّة ثقافيّة خاصّة غير ربحيّة، تهدف إلى دعم ورعاية الفنّ والفنّانين في الأردنّ والعالم العربيّ. في البداية في عام 1988، بادرت الفنّانة سهى شومان، مؤسِّسة ورئيسة «دارة الفنون» حاليًّا، إلى تنظيم نشاطات فنّيّة في المركز العلميّ الثقافيّ لـ «مؤسّسة عبد الحميد شومان»، حيث نُظِّمَت فيه معارض جماعيّة وفرديّة لكبار الفنّانين الأردنيّين والعرب والشباب لغاية تنمية الحوار بين الأجيال الفنّيّة المتعدّدة. فكان من ضمن النشاطات آنذاك معارض جماعيّة لفنّانين فلسطينيّين عُرِضَتْ أعمالهم تضامنًا مع شعبهم في الانتفاضة الأولى، وكذلك أُقِيمَت معارض لفنّانين عراقيّين لجأوا إلى الأردنّ خلال حرب الخليج الأولى ولفنّانين لبنانيّين لجأوا إلى الأردنّ خلال الحرب الأهليّة. من ضمن البرامج الّتي نُظِّمَت وعُقِدَت بين عاميّ (1990 - 1992) سلسلة محاضرات متخصّصة في تاريخ الفنّ ونظريّاته أشرف عليها الفنّان العراقيّ شاكر حسن آل سعيد، وقد وُثِّقَت ونُشِرَت في كتاب بعنوان «حوار الفنّ التشكيليّ».

أدركنا حينها الحاجة الملحّة لإنشاء مركز فنّيّ متخصّص يختلف دوره عن دور المتحف أو قاعات العرض التجاريّ، ليكون فضاءً فنّيًّا ومنبرًا للفنّانين والباحثين فيه يعملون ويتدرّبون ويتحاورون ويعرضون تجاربهم المختلفة. ولتلبية احتياجات الفنّانين وجمهور الفنّ، افتتحنا عام 1993 «دارة الفنون» لتكون مركزًا حيويًّا متخصّصًا في الفنون البصريّة، وليستقطب الطاقات الإبداعيّة العربيّة ويقدّم لها الدعم. بدأنا بترميم البيت الأوّل عام 1992 والآن أصبحت «دارة الفنون» تضم ستّة مباني تاريخيّة يعود إنشاؤها إلى عشرينيّات القرن الماضي، أعيد ترميمها وتهيئتها لتقديم المعارض الفنّيّة، كما أُضِيفَت مكتبة متخصّصة في الكتب والمراجع الفنّية وترميم موقع أثريّ في الحديقة لكنيسة بيزنطيّة من القرن السادس الميلاديّ بُنِيَت فوق معبد رومانيّ.

تشكّل مباني دارة الفنون الّتي بَنَتْها وسَكَنَتْها عائلات أردنيّة وفلسطينيّة وسوريّة ولبنانيّة، ذاكرة حيّة لتاريخ الأردنّ القديم والحديث وتاريخ بلاد الشام المشترك. فمثلًا المبنى الرئيسيّ الّذي رُمِّمَ عام 1992 وكان قد بناه نمر باشا الحمّود، عمدة  السلط  وسكنه عام 1921 القائد البريطانيّ للجيش الأردنيّ العقيد بيك باشا حتّى عام 1938، عندما تحوّل البيت إلى ناد للضبّاط الإنجليز إلى أن  تمّ تعريب قيادة الجيش الأردنيّ عام 1956. أمّا البيت الأزرق فقد رُمِّمَ عام 1994 وكان قد بناه وسَكَنَه إسماعيل حقّي عبده، الحاكم العسكريّ لمدينة عكّا، وفي العام 1995 تمّ ترميم البيت الثالث، الّذي أصبح مقرًّا لإقامة الفنّانين، وفي عام 2002 في ذكرى خالد شومان، نائب رئيس مجلس إدارة «البنك العربيّ» وراعي «دارة الفنون»، أصبحت الدارة تحت مظلّة «مؤسّسة خالد شومان» وسُمِيَّ البيت «دار خالد»، وكان قد أقام فيه فؤاد الخطيب شاعر الثورة العربيّة الكبرى وسليمان النابلسيّ رئيس الوزراء في الخمسينيّات عندما كان تحت الإقامة الجبريّة.

 

 الموقع الأثري، بعد الترميم، 1993

 

تطوّرت «دارة الفنون» وتوسّعت تدريجيًّا على مدار الثلاثين عامًا الماضية تلبيةً لاحتياجات الفنّانين وتطوّر عملهم مع تطوّر الفنّ والحقل الفنّيّ المعاصر. حيث تمّت توسعة مباني «دارة الفنون» منذ افتتاحها عام 1993، من خلال إضافة مبنى عام 2011 بناه السوريّ عبد المجيد العجميّ وسُمِّيَ بالمقرّ الّذي أصبح مركزًا للباحثين في مجال الفنّ العربيّ للحاصلين على منح «دارة الفنون» للدراسات العليا في الفنّ العربيّ المعاصر، ومساحة تعرض فيها أعمال فنّيّة من مجموعة خالد شومان الخاصّة. كذلك أُعِيدَ ترميم ثلاثة مستودعات قديمة في نفس العام لتصبح «المختبر»، وهو مساحة تجريبيّة للفنّانين الناشئين والعقول المبدعة لتستخدم المكان في إنتاج المشاريع والأعمال الفنّيّة، وكذلك مكان لإقامة ورشات العمل ولقاءات للتواصل مع المجتمع المحلّيّ. في عام 2013 قمنا بترميم البيت البيروتيّ الّذي بناه اللبنانيّ عبد الحافظ عيتاني البيروتيّ على الطراز اللبنانيّ، وكانت قد عاشت فيه الملكة زين، والدة الملك حسين رحمه الله، وقد هُيِّئَ المبنى لتوثيق تاريخ «دارة الفنون» ليسمّى «متحف دارة الفنون: فنّ، عمارة، آثار». أضفنا أيضًا سكنًا للباحثين والفنّانين الزائرين ضمن برنامج الإقامة الفنّيّة الّذي كان قد تأسّس منذ عام 1995.

من خلال حماية وترميم هذه المباني، ساهمت «دارة الفنون» في الحفاظ على التراث المعماريّ والتاريخيّ والحضاريّ في الأردنّ، وكذلك في الترويج للفنّ المعاصر وبذلك جمعت بين القديم والحديث وبين الماضي والحاضر والتراث والحداثة.

 

فُسْحَة: تكلّمت عن الإدراك المبكّر لضرورة وجود مركز فنّيّ متخصّص يدعم ويرعى الفنّانين في الأردنّ والعالم العربيّ، كيف انعكس هذا الإدراك على التعامل مع الفنّانين ما بين التركيز على الفرديّ أو الجمعيّ؟ ما التجربة الّتي تقدّمها «دارة الفنون» للفنّان المقيم من حيث إمّا التركيز على الدمج وصهر العقول المبدعة أو توفير المساحة الفرديّة الخاصّة للإبداع الفرديّ؟

لُمى: ليس ثمّة تجربة على حساب الأخرى، فالتجربتان حاضرتان. لقد نظّمنا معارض فنّيّة فرديّة وأخرى جماعيّة لكبار الفنّانين الأردنيّين والعرب والشباب لتنمية الحوار بين الأجيال الفنّيّة المتعدّدة. في عام 1995 بدأنا باستضافة فنّانين من خلال برنامج للإقامات الفنّيّة التبادليّة بالتعاون مع العديد من المؤسّسات ومن بينها «اليونسكو». أيضًا ما بين الأعوام 1999 – 2003، وبمناسبة عيدنا العاشر، أُنْشِئَت «أكاديميّة دارة الفنون الصيفيّة» تحت إشراف الفنّان السوريّ الراحل مروان قصّاب باشي لتمنح الفرصة للفنّانين العرب للدراسة والعمل مع زملائهم. اشترك في الأكاديميّة أكثر من ستّين فنانًا من الأردنّ وفلسطين وسوريا ولبنان ومصر والعراق. بالنسبة للعديد من هؤلاء الفنانين كانت التجربة تكوينيّة في حياتهم المهنيّة، فنحن نوفر للفنّان المساحة للإقامة والبحث والعمل والتعلّم والإنتاج والعرض مع تقديم الدعم اللازم له واحترام حرّيّته الفكريّة.

 

 بيت البيروتيّ، بعد الترميم، 2013

 

فُسْحَة: هل شهدت «الدارة» منذ إنشائها ظهور حركة فنّيّة بمعناها الثقافيّ الفكريّ والمعرفيّ، كالحركات الفنّيّة السرياليّة أو الانطباعيّة الأوروبّيّة الّتي شَهِدَتْ تمازجًا بين إنتاجها الفنّيّ وفلسفة عصرها؟

لُمى: هذه الحركات تظهر دائمًا بمبادرات من الفنّانين أنفسهم، فمثلًا كان ثمّة ظهور لحركات فنّيّة تجريبيّة في العالم العربيّ كالحركة السرياليّة في مصر أو «مدرسة دار البيضاء» في خمسينيّات القرن الماضي في المغرب بقيادة فريد بلكاهيّة، أو مجموعة البعد الواحد بمبادرة من الفنّان شاكر حسن آل سعيد في العراق وغيرها من المدارس والحركات الفنّيّة. لكنّ ظهور حركات فنّيّة مثل الانطباعيّة في أوروبّا والّتي تبعتها حركات ما بعد الحداثة يتطلّب استمرارها جهودًا وتعاونًا مشتركًا بين الأفراد والمؤسّسات الفنّيّة والدولة.

 

فُسْحَة: لكن ثمّة أيضًا عوامل أخرى تساهم في ظهور هذه الحركات الفنّيّة مثل الكتابة النقديّة الفنّيّة الّتي تمثّل جزءًا أساسيًّا من عناصر الموجة الفنّيّة أو الحركة الفنّيّة، وهي الكتابة الضعيفة عربيًّا. ألا يشكّل غياب الكتابة النقديّة الفنّيّة عربيًّا جزءًا من أزمات الفنون البصريّة والتشكيليّة؟

لُمى: ذلك صحيح، ولذلك نعمل في «دارة الفنون» من خلال مكتبتنا المتخصّصة في الفنّ وأرشيفنا الرقميّ والورش المتخصّصة الّتي نقيمها في الكتابة النقديّة الفنّيّة على سدّ الفراغ في هذا المجال.

 

المتحف

 

فُسْحَة: كيف أثّرت «جائحة كورونا» على الحقل الفنّيّ والثقافيّ وأنماط وممارسات إنتاجه عربيًّا، وبشكل خاصّ على «دارة الفنون»؟

لُمى: أثّرت «جائحة كورونا» في عديد المؤسّسات الثقافيّة والفنّيّة في العالم العربيّ وفي الخارج، منها الّتي أغلقت أبوابها أو خفّضت في رواتب موظّفيها أو قلّلت أعدادهم، لكنّ الجميع تعامل مع الجائحة تبعًا لإمكانيّاتهم، البعض لم يتمكّن من المحافظة على الاستمراريّة بسبب قيود التنقّل ومعايير السلامة، والبعض الآخر تمكّن من تحويل البرامج إلى الفضاء الإلكترونيّ.

بالنسبة لنا في «دارة الفنون»، من المؤكّد أنّ الجائحة فتحت لنا بابًا جديدًا، فمنذ البداية أغلقت الدارة أبوابها أمام الجمهور التزامًا مع التدابير الّتي أصدرتها وزارة الصحّة، إلى أن سُمِحَ لنا مرّة أخرى العودة في ظلّ إجراءات صحّيّة صارمة بعد إغلاقنا لمدّة 16 شهرًا. لكنّنا كنّا من أوائل المؤسّسات الّتي حوّلت عملها إلى الفضاء الإلكترونيّ، فأطلقنا برنامجًا شاملًا عبر الإنترنت بداية من شهر نيسان (إبريل) 2020، وما زال البرنامج الّذي اشتمل على معارض فنّيّة ومحاضرات وورشات عمل فنّيّة والأكاديميّة الصيفيّة وبرنامج الزمالة، مستمرًّا حتّى الآن.

 

فُسْحَة: كيف اختلفت هذه الأنشطة بعد تحوّلها إلى الفضاء الإلكترونيّ، مثل برنامج الزمالة أو الإقامة أو المعارض الفنّيّة؟

لُمى: الواقع أنّ اللجوء إلى الإنترنت وفّر فرصة التواصل مع جمهور جديد ومتنوّع من كلّ العالم، كما ألغى المسافات بيننا وبين المؤسّسات في الخارج الّتي نقلت نشاطاتها هي الأخرى إلى الإنترنت، وتمكّنّا من تحقيق انتشار لبرامجنا ونشاطاتنا بشكل أوسع. مثلًا، في ما يتعلّق ببرنامج الزمالة للدراسات العليا في مجال الفنّ الحديث والمعاصر الّذي أطلقناه عام 2011، ويعدّ أوّل برنامج من نوعه في العالم العربيّ، تمكّنّا من عقده افتراضيًّا. فمثلًا استطاع الزميل كريم اسطفان، تنظيم سلسلة من اللقاءات الافتراضيّة تحت عنوان «بناء العالم أثناء اليقظة» حاور فيها فنّانين وكتّابًا وباحثين يقميون في الخارج، وأيضًا تمكّن من المشاركة في برامج «أكاديميّة دارة الفنون الصيفيّة» من خلال تيسير محاضرات للفنّانين المشاركين.

إضافة إلى ذلك، تمكّنا هذا العام من استضافة 15 فنّانًا ناشئًا من الأردنّ وفلسطين بشكل افتراضيّ ضمن البرنامج، ونُظِّمت ورشات عمل وسلسلة من المحاضرات المتعلّقة بالأزمة الإيكولوجيّة لمدرّبين وميسّرين خبراء في مجال الفن مثل «ساقية» في فلسطين تحت عنوان: «استرجاع البرّيّة في التعليم/ البيداغوجيا» وهو مشروع يديره الفنّان نداء سنقرط وسحر القواسمي وسلسلة أخرى بتنسيق الفنّانة جمانة إميل عبّود بعنوان «عرّافو/ عرّافات الماء».

أمّا في ما يتعلّق بالمعارض الفنّيّة، فقد كان لدينا برنامج افتراضيّ منذ بداية الجائحة بعنوان: «إنترنت الأشياء: عالم آخر ممكن»، وقد ضمّ إقامات فنّيّة دعمت الفنّانين خلال الجائحة قاموا بإنتاج أعمال عُرِضَتْ افتراضيًّا عبر منصّتنا. تَبِعَ هذا البرنامج ثلاثة برامج افتراضيّة أخرى بعنوان: «قياس الحياة: ملاحظات نحو تبادل مستحيل» و«بعد ساعات العمل» و«إيكولوجيّات ما بعد الاستعمار» وُثِّقَت جميعها عبر منصّتنا.

 

البيت الأزرق

 

فُسْحَة: إذن، حتّى لو عادت الأمور إلى مجراها الطبيعيّ فستستمرّ هذه البرامج الافتراضيّة، لكن ستكون ثمّة عناصر مفقودة؟

لُمى: أجل ستستمرّ، ومن المؤكّد أنّ ثمّة عناصر مفقودة. أعتقد أنّ الجائحة وسّعت من إمكانيّات التواصل من المحلّيّ إلى الإقليميّ و العالميّ، إضافة إلى تمكّننا من الوصول لشرائح جديدة من متلقّي الفنّ. لكن ثمّة أهمّيّة كبيرة للتواصل على الأرض، للحديث والتعارف الشخصيّ، فالفضاء الإلكترونيّ وفّر مساحة إضافيّة وليست بديلة عن الواقع، من حيث إمكانيّة الانتشار والتواصل، لكنّ ذلك لا يغني عن العمل على الأرض والتفاعل مع الجمهور على أرض الواقع.

فنحن الآن في صدد تحضير لمعرض جديد سيفتتح يوم الثلاثاء الأوّل من آذار (مارس) 2022، سيقام في «دارة الفنون» بعنوان: «نثر من الجذور» من تنسيق رنا بيروتي، وسيضمّ واحدًا وعشرون فنّان وفنّانة من الأردنّ لتقديم مداخلات وحوارات وتأمّلات عُقِدَت على نطاق محلّيّ لتحويل المنظومات الخاصّة، وإيجاد حلول للقضايا الأكثر إلحاحًا في الأردنّ اليوم، وهي السياسة المائيّة والإيكولوجيا الزراعيّة وممارسات البناء الاستخراجيّة.  

 

فُسْحَة: أين يقع السياسيّ من الفنّيّ في نشاطات «دارة الفنون»؟

لُمى: كان هدفنا من إنشاء «الدارة» دعم الفنّانين العرب الّذين كانوا يلجأون من بلدانهم وخاصّة من العراق ولبنان وسوريا، فأصبحت «دارة الفنون» مكان لقاء للفنّانين وبمثابة ’البيت‘ بالنسبة لهم و‘بيت للفنون‘ أيضًا. فثمّة ارتباط بين السياسة والفنّ، فالفنّان شاهد على عصره. فمثلًا، عام 2017 وفي ذكرى مرور مئة عام على «وعد بلفور»، كرّست «دارة الفنون» كلّ برامجها لمدّة عام كامل لاستعراض الجوانب الثريّة للحضارة الفلسطينيّة تاريخيًّا، وكان البرنامج بعنوان: «فلسطين الحضارة عبر التاريخ»، شارك فيه فنّانون ومفكّرون وباحثون ومؤرّخون عبر سلسلة من المعارض الفنّيّة لروّاد الفنّ الفلسطينيّ وللمعاصرين، وكان ثمّة محاضرات امتدّت على مدى عام كامل في مجالات الفنّ والتاريخ والأدب والمسرح والصحافة وغيرها من الحقول. وأقمنا معارض لفنّانين روّادًا مثل زلفة السعدي وكريمة عبّود أوّل مصوّرة فلسطينيّة، ومعرض من مجموعة د. هشام الخطيب الخاصّة برسومات مدن الساحل الفلسطينيّة، ومعرض للأثواب الفلسطينيّة للسيّدة وداد قعوار ومعارض لمعاصرين أمثال خالد حوراني وسميرة بدران وجمانة إميل عبّود. إضافة إلى محاضرات ومناقشات عن بدايات الصحافة الفلسطينيّة و«إذاعة هنا القدس» والسير الذاتيّة في قراءة التاريخ الاجتماعيّ لفلسطين مع د. سليم تماري، ومحاضرة للبروفيسور وليد الخادي عن تاريخ النكبة، وعرض فيلم «ظلال الغرب» (1986) من إخراج إدوارد سعيد وغيرها من الفعاليّات.

 

المقر والمختبر، بعد الترميم 2011

 

أودّ أن أشير هنا إلى البرنامج الثقافيّ الفنّيّ الّذي نظّمه الفنّان الفلسطينيّ خالد حوراني مشكورًا، بمناسبة مرور ثلاثين عامًا على إنشاء «دارة الفنون»، ولارتباطها الوثيق بالفنّانين الفلسطينيّين، حيث نظّم حوراني برنامجًا بعنوان: «هناك ضوء لا ينطفئ: دارة الفنون من عمّان إلى فلسطين»، عُرِضَت خلاله معارض فنّيّة وأقيمت نشاطات متزامنة في أربعة مدن فلسطينيّة هي رام الله وبيت لحم والقدس وغزّة. كما ضمّ البرنامج بجانب المعارض الفنّيّة عروض أفلام ولقاءات واستعراض لمطبوعات «دارة الفنون»، حازت الدارة على أثره من وزارة الثقافة الفلسطينيّة على «جائزة القدس للثقافة والإبداع» على مستوى الوطن العربيّ تقديرًا لدورها في دعم الثقافة والفنون في العالم العربيّ.

 

فُسْحَة: ما هي مصادر التمويل الّتي تعتمد عليها «دارة الفنون»؟

لُمى: بالنسبة للتمويل، فنحن مؤسّسة فنّيّة ثقافيّة مستقلّة خاصّة غير ربحيّة تموّلها بشكل خاصّ عائلة السيّد الراحل خالد شومان رحمه الله، ولا نعتمد على أيّ تمويل خارجيّ، كما أنّ كلّ فعاليّاتنا مجّانيّة وليس ثمّة أيّ مصدر تمويل آخر، وبذلك نحافظ على استقلاليّتنا.

 

المكتبة في المبنى الرئيسيّ

 

فُسْحَة: لعبت «دارة الفنون» حتّى الآن دورًا رياديًّا في دعم حقل الفنون البصريّة العربيّ، فما هو مستقبل هذا الدور؟

لُمى: أقدّر تعريفك دورنا بالرياديّ في الحقل الفنّيّ العربيّ، نحن مَعْلَمٌ فنّيّ، وتشكّل الدارة بمبانيها وآثارها معلمًا تاريخيًّا. تطوّرت «دارة الفنون» وقدّمت الكثير على مدى 34 عامًا، ونأمل في استمرار مشروعنا، وهذه الاستمراريّة مستمدّة من مجلس الإدارة الّذي يتكوّن من زوجة وأولاد السيّد الراحل خالد شومان رحمه الله، إضافة إلى المجلس الاستشاريّ المكوّن من شخصيّات وأصدقاء يعملون في مجال الفنّ في العالم العربيّ كلّ منهم يملك المشورة الحكيمة والمبتكرة والإضافة النوعيّة، مثل آملي جاسر وهي فنّانة فلسطينيّة ومؤسِّسة «دار يوسف نصري للفنّ والبحث» في بيت لحم، ود. عادلة العايدي – هنيّة مديرة «المتحف الفلسطينيّ» في «جامعة بير زيت»، ود. سلوى مقدادي، أستاذة مشاركة في تاريخ الفنّ في «جامعة نيويورك» في أبوظبي، والشيخة حور القاسمي مديرة «مؤسّسة الشارقة للفنون»، والسيّدة زينة عريضة الّتي سبق أن شغلت إدارة «متحف سرسق» في بيروت وتعمل الآن مديرة لـ «المتحف العربيّ للفنّ الحديث» في قطر، والسيّد عمار خمّاش الفنان المعماريّ الّذي أشرف على ترميم أوّل ثلاثة مباني من مباني «دارة الفنون»، إضافة إلى السيّدة سهى شومان مؤسِّسة ورئيسة «دارة الفنون - مؤسّسة خالد شومان». 

 


 

أنس إبراهيم

 

 

 

كاتب وباحث ومترجم. حاصل على البكالوريوس في «العلوم السياسيّة»، والماجستير في «برنامج الدراسات الإسرائيليّة» من «جامعة بير زيت». ينشر مقالاته في عدّة منابر محلّيّة وعربيّة، في الأدب والسينما والسياسة.